بخاخ من جزيئات الذهب لعلاج الاضطرابات النفسية

نجاح علماء إيطاليين في تطوير بخاخ أنفي من جسيمات الذهب النانوية لتوصيل الليثيوم مباشرة إلى الدماغ لعلاج الاضطرابات النفسية مثل ألزهايمر، بفعالية عالية.

في إنجاز علمي رائد يُبشّر بعهد جديد من العلاجات العصبية الدقيقة. نجح فريق من الباحثين في الجامعة الكاثوليكية في روما (Università Cattolica del Sacro Cuore). بالتعاون مع جامعة ساليرنو (University of Salerno) ومستشفى بوليكلينيكو الجامعي “A. Gemelli IRCCS“. في تطوير تقنية نانوية مبتكرة تعتمد على جسيمات ذهبية دقيقة الحجم محمّلة بأيونات الليثيوم تُعطى عبر بخاخ أنفي، لتوصيل الدواء مباشرة إلى الدماغ دون المرور بالدورة الدموية.
الدراسة التي نُشرت في مجلة Advanced Materials في سبتمبر 2025 مثّلت نقلة نوعية في مجال الطب العصبي والطب النفسي. إذ أظهرت إمكانية تحقيق التأثير العلاجي لليثيوم بجرعات أقل، وبدون آثاره الجانبية المعروفة على الكلى والغدة الدرقية.

اقرأ أيضا: استراتيجيات تسويق نفسك وبناء علامتك الشخصية


⚗️ خلفية: الليثيوم وسلاح ذو حدين

يُعدّ الليثيوم أحد أقدم الأدوية المستخدمة في الطب النفسي.حيث استُخدم منذ خمسينيات القرن الماضي لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب الشديد، وبعض الاضطرابات المزاجية.
ورغم فعاليته العالية، فإن تناوله عبر الفم يتطلب جرعات مرتفعة للوصول إلى تركيز علاجي في الدماغ. مما يؤدي إلى تراكم الدواء في الجسم وحدوث مضاعفات كالسُمية الكلوية واضطرابات الغدة الدرقية.
لهذا السبب، حاول العلماء لعقود إيجاد طريقة أكثر دقة وأمانًا لتوصيل الليثيوم إلى الجهاز العصبي المركزي، وهو ما تحقق اليوم عبر هذه التقنية الذهبية النانوية الثورية.


🧬 التقنية الجديدة: ذهب نانوي وغلوتاثيون وليثيوم

التقنية الجديدة تعتمد على جسيمات نانوية من الذهب بقطر بضعة نانومترات فقط، مغطاة بمركّب الغلوتاثيون (Glutathione) الذي يُكسبها استقراراً عالياً وقدرة على عبور الحواجز العصبية.
يتم تحميل هذه الجسيمات بأيونات الليثيوم لتكوين مركّب أطلق عليه الباحثون LiG-AuNPs، يتم إعطاؤه عبر الأنف ليصل مباشرة إلى الدماغ من خلال العصب الشمي (olfactory nerve) دون المرور بالكبد أو الكلى.
يقول الباحث أنطونيو بونيربا من جامعة ساليرنو:

بخاخ من جزيئات الذهب لعلاج الاضطرابات النفسية
بخاخ من جزيئات الذهب لعلاج الاضطرابات النفسية

“هذه الجسيمات تتحلل تدريجيًا داخل الخلايا العصبية مطلقة الليثيوم بطريقة متدرجة، مما يتيح تأثيرًا علاجيًا مستمرًا دون تجاوز التركيزات الضارة”.

الذهب في هذه الحالة لا يُستخدم كعنصر فعّال بل كناقل بيولوجي آمن، إذ يتميّز بخموله الكيميائي وسهولة طرحه من الجسم بعد أداء مهمته.


🧠 نتائج التجارب: تحسن في الذاكرة والسلوك دون آثار جانبية

أجريت التجارب على نماذج من الفئران المصابة بمرض ألزهايمر (3xTg-AD mice)، حيث تم إعطاؤها العلاج الأنفي لمدة خمسة أيام متتالية.
بعد هذه الفترة القصيرة، لوحظ انخفاض واضح في نشاط إنزيم GSK-3β في منطقة الحُصين (hippocampus) — وهو إنزيم مرتبط بتدهور الذاكرة والاضطرابات العصبية.
وبعد شهرين من العلاج المستمر، أظهرت الفئران تحسنًا ملحوظًا في الذاكرة والسلوك مقارنة بالمجموعة غير المعالجة، دون أي مؤشرات على تلف الأعضاء أو ارتفاع مستويات الليثيوم في الدم.
تقول الباحثة جوليا بولياتي من الفريق العلمي:

“كانت النتيجة مذهلة: لاحظنا تحسنًا في الأداء المعرفي والسلوك الاجتماعي للفئران، مع بقاء المؤشرات الحيوية للكلى والكبد في مستوياتها الطبيعية تمامًا”.


🔬 آلية العمل: تثبيط إنزيم GSK-3β

تُظهر نتائج الدراسة أن الليثيوم في صورته النانوية هذه يقوم بتثبيط إنزيم Glycogen Synthase Kinase-3 Beta (GSK-3β)، وهو أحد الإنزيمات الرئيسية المرتبطة بتطور مرض ألزهايمر، واضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب الشديد.
التحكم الدقيق في هذا الإنزيم يُعدّ من مفاتيح استعادة التوازن العصبي وتحسين الاتصالات بين الخلايا العصبية.


🚀 آفاق مستقبلية: علاج موجه وآمن للدماغ

يرى الباحثون أن المسار الأنفي لتوصيل الدواء إلى الدماغ قد يغيّر قواعد اللعبة في علاج الأمراض العصبية والنفسية.
يقول الدكتور روبرتو بياسينتيني:

“التوصيل الأنفي يوفّر طريقًا مباشرًا وآمنًا لتجاوز الحاجز الدموي الدماغي، في حين يبقى الذهب مادة خاملة لا تتراكم في الأنسجة”.

كما أوضح الدكتور كلاوديو غراسي أن سهولة تصنيع الجسيمات النانوية وقابليتها للإنتاج الصناعي بتكلفة منخفضة تمهّد الطريق لتجارب سريرية بشرية قريبة.


⚖️ التحديات والقيود الحالية

رغم النتائج الواعدة، يشير الباحثون إلى أن هذه التقنية ما زالت في المرحلة ما قبل السريرية، أي أن تطبيقها على الإنسان يتطلب مزيدًا من الدراسات للتأكد من سلامتها على المدى الطويل وفعالية الجرعات المختلفة.
كما أن الجرعات الآمنة في الفئران لا يمكن نقلها مباشرة للبشر دون تعديل، نظرًا لاختلاف الأوزان والتمثيل الحيوي.
ويضيف الخبراء أن تنظيم استخدام الجسيمات النانوية في الطب يتطلب أطرًا قانونية دقيقة لضمان جودة المواد المصنعة وطرق التخلص منها.


🧩 لماذا الذهب؟

يُعتبر الذهب النانوي من أكثر المواد توافقًا حيويًا مع الجسم البشري، ولا يثير استجابات مناعية قوية.
يُستخدم بالفعل في مجالات طبية أخرى مثل التصوير الجزيئي، وتوصيل الأدوية، والعلاج الضوئي للأورام.
ميزة الذهب هنا أنه يعمل كـ“حقيبة ذكية” تنقل الدواء إلى الموقع المطلوب وتتحلل تدريجيًا دون أن تترك آثارًا سامة.


💬 الخلاصة: بداية عهد جديد في الطب العصبي

يمثل هذا الابتكار الإيطالي خطوة جبارة نحو علاجات موجهة للدماغ بدقة نانوية، تُتيح إعطاء أدوية فعالة مثل الليثيوم بجرعات صغيرة وآمنة عبر بخاخ أنفي بسيط.
هذه التقنية قد تُفتح الباب مستقبلاً أمام علاجات شخصية لاضطرابات الدماغ مثل ألزهايمر، والاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب المقاوم للأدوية.
لكن العلماء يؤكدون أن الطريق ما زال طويلاً قبل الوصول إلى التجارب البشرية، وأن النجاح الحقيقي سيكون في إثبات السلامة والفعالية على الإنسان.


🔗 مصادر ومراجع موثوقة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − اثنا عشر =